الاثنين، 12 مايو 2014

المعلومة بنت الميداح... حديث معاد

كتبتها وقرأتها للمعلومة في حفل إطلاق "هيئة المعلومة" بفندق الخاطر..

تذكرت هذا النص وأنا أخرج ليلة البارحة من تصوير  تلفزيوني للصحفي المبدع الشيخ ولد سيدي عبد الله.. كان من بين ضيوفه اللامعين.. المعلومة بنت الميداح.. وقد تحدثت وقدمت ألبومها الجديد "اكنو"...
ولي عودة لسهرة البارحة بحول الله

 المعلومة....
هل تذكرين حينا من الزمن عندما كنت طفلة طموحة، لاتسع سهول "قرية الشارات" أحلامها
هل تتذكرين حين كنت طفلة عنيدة، تأبي تبجيل السلط الاجتماعية التقليدية، وكدت تدفعين الثمن غاليا وأنت لما تبلغين بعد سن الرشد.
هل تتذكرين حين كنت طفلة صغيرة بين كثبان "قرية الشارات" تتغذين بنوتات موزارت وبتهوفن.
هل تتذكرين حين كنت طفلة صغيرة بريئة وكانوا يفصلون لك حلمك على مقاسهم، وكنت أنت تخيطين حلمك وتطرزيه وتزينيه كما يحلو لك.
هل تتذكرين كيف كبرت الأحلام وضاق بك المكان والزمان وما عادا يتحملان، بل وما عدت تتحملين.
هل تتذكرين كيف خرجت من رحم ذلك المجتمع الذي لم يستطع تحديد ماهيتك
لم يستطع أن يحدد  طعمك ولا رائحتك.
لم يستطع أن يميز شكلك ولا لونك.
لم يستطع باختصار أن يفهمك، فاستأنس بعمته النعامة ودس منقاره في التراب وأعلنك جسما غريبا.
هل تتذكرين حين غادرت تلك الكثبان وتلك الذكريات مخلفة ورائك مزيجا من المر والحلو، مزيجا من الصعب والسهل، لتحطي رحالك هنا في نواكشوط، وكأنك تريدين أن تكوني أنت كما تريدين أنت.
هل تتذكرين حين غردت لأول مرة بأعظم واسمي كلمة نطقها مخلوق منذ كان البدا... حين نطقت وغنيت بالحب للحب، هل تتذكرين حين وصفوك بعدها بالمجنونة.
هل تعلمين أنهم ما كانوا يقصدونك... بل خانهم علم الصرف، فهم لا ينطقون أبدا بضمير الجمع، ولا يعرفون ضمير المخاطب، هم يعرفون ويتقنون فقط ضمير المتكلم، وفي أكثر الحالات يضيع منهم الضمير ويبقي المتكلم.
هل تتذكرين خلانك وكأنهم يريدون تنويم فتنة كادت أن تستيقظ حين قالوا لك: إذا اتفقت الجماعة على انك اعمي فخذ عصاك وتوكل.

توكلت ولم تأخذي عصاك بل اكتفيت بأوتارك
شديت.. وصدحت، ورن صدي صوتك بعيدا بعيدا
بعيدا بعيدا حيث الضمير مجرد من كل الصيغ الجبرية وكل الحسابات الهندسية
بعيدا بعيدا حيث اشرأبت له الأعناق وفرشت له الأذان
بعيدا بعيدا حاملا معه الحب والحبور.. حاملا معه الأحلام والآمال، حاملا معه الرفض والإباء والكرامة.

وحين عاد صدي صوتك إلى ربوعهم، اهتزت الأرض وارتعدت الأصنام وبعثرت القبور ودق ناقوس الخطر ونفخ في البوق
انه أمر جلل
انه الطوفان
بعثوا برسول منهم ليأتي بالخبر
فعاد منذرا إنها تغني للحب والطفل والخبز والطير

قامت قائمتهم وقالوا ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .. فمنهم من قال بوأدك.. ومنهم من قال بنفيك.. ومنهم من قال بخنقك...
اختلفت الوسائل والهدف واحد (اسكتوا المعلومة)

حاولوا أن يسكتوك بالعين الحمرة ونسوا أن الأمير أيام جلالته حاولها معك وأنت صغيرة ففشل.
حاولوا أن يسكتوك بالمال ونسوا أن والدك المختار رحمه الله حنكك بالبيت الشعري :
لا تسألن بني ادم حاجة،
واسأل الذي أبوابه لا تحجب
فالله يغضب إن تركت سؤاله
وبني ادم حين يسال يغضب

حاولوا أن يسكتوك بتغيبك من شاشتهم اليتيمة، ولكنهم لم يعرفوا كم خدموك بذلك من حيث لا يدرون.
حاولوا .. حاولوا.. كانوا كلما تمادو وتفننوا في ذلك، يعطونك قوة على قوتك.

وذات يوم...
كنت على موعد مع حصاد ما زرعت... وبهت الذي كفر

المعلومة.. هل تذكرين كم كان كل هذا حلوا ومرا
كم كان كل هذا قريبا وبعيدا

هل تذكرين كم كان حلوا حين غنيت بقرطاج ومن يومها ونحن نسمي بموريتانيا المعلومة
هل تتذكرين حين نزلت من عرشها مكلة سبأ الأغنية العربية الشامية الست فيروز على جلالتها لتتصل بك شخصيا وتحدثك عن حبها وإعجابها بفنك.
هل تتذكرين كل بقاع الكون بشرقها وغربها، بشمالها وجنوبها.. والتي رفعت فيها وجهك انفا شامخا، وصوتك عذبا عاليا لتقولي للجميع هذه أنا المعلومة... بل هذه أنا موريتانيا شموخ وكبرياء.

هل تتذكرين حين أردت شحنة أخري إلى صوتك في مقر القرار... وكان لك ما أردت

هناك أمر ربما لا تتذكرينه
بل ربما لا تعرفينه
لا تعرفين كم من ليلة حالكة ضاقت بسمارها فكان صوتك أنيسها ووترك نورها
لا تعرفين كم من خلان فرقتهم المشارب السياسية والمعتقدات الفكرية.. لكن صوتك ولحنك ونصك جمعهم
لا تعرفين كم من صوت كان مبحوحا وكم من صوت كان مقهورا، صاح وشدي وغني وعبر، لأنك كنت طليعته
لا تعرفين كم مسكين محكوم عليه بالصمت الأبدي.. وكم من أصم خلق ليسمع ولا يسمع، كنت صوته وصرخته
لا تعرفين كم من وجه عبوس قمطرير انفلتت من شفاهه البسمة لأنك مررت عليه ولو طيفا
لا تعرفين مقدار ما يكنه لك هذا البلد من حب وتقدير وامتنان
لا تعرفين مقدار ما يكنه لك هذا الجيل التي كنت مثله الأعلى في الإرادة الصادقة القوية
إرادة الواعي المستنير
وليست إرادة الجاهل الجبان

المعلومة.. مهما حدث من الم.. مهما ضاق بك الزمان.. مهما انشغل عنك الخلان.. مهما خلا من محاربيه الميدان
لا تنسي قوتك
لا تنسي قوتك
لا تنسي قوتك

31 يناير 2011
عبد الرحمن احمد سالم


كتبتها وقرأتها للمعلومة في حفل إطلاق "هيئة المعلومة" بفندق الخاطر..

تذكرت هذا النص وأنا أخرج ليلة البارحة من تصوير  تلفزيوني للصحفي المبدع الشيخ ولد سيدي عبد الله.. كان من بين ضيوفه اللامعين.. المعلومة بنت الميداح.. وقد تحدثت وقدمت ألبومها الجديد "اكنو"...
ولي عودة لسهرة البارحة بحول الله

هل تذكرين حينا من الزمن عندما كنت طفلة طموحة، لاتسع سهول "قرية الشارات" أحلامها
هل تتذكرين حين كنت طفلة عنيدة، تأبي تبجيل السلط الاجتماعية التقليدية، وكدت تدفعين الثمن غاليا وأنت لما تبلغين بعد سن الرشد.
هل تتذكرين حين كنت طفلة صغيرة بين كثبان "قرية الشارات" تتغذين بنوتات موزارت وبتهوفن.
هل تتذكرين حين كنت طفلة صغيرة بريئة وكانوا يفصلون لك حلمك على مقاسهم، وكنت أنت تخيطين حلمك وتطرزيه وتزينيه كما يحلو لك.
هل تتذكرين كيف كبرت الأحلام وضاق بك المكان والزمان وما عادا يتحملان، بل وما عدت تتحملين.
هل تتذكرين كيف خرجت من رحم ذلك المجتمع الذي لم يستطع تحديد ماهيتك
لم يستطع أن يحدد  طعمك ولا رائحتك.
لم يستطع أن يميز شكلك ولا لونك.
لم يستطع باختصار أن يفهمك، فاستأنس بعمته النعامة ودس منقاره في التراب وأعلنك جسما غريبا.
هل تتذكرين حين غادرت تلك الكثبان وتلك الذكريات مخلفة ورائك مزيجا من المر والحلو، مزيجا من الصعب والسهل، لتحطي رحالك هنا في نواكشوط، وكأنك تريدين أن تكوني أنت كما تريدين أنت.
هل تتذكرين حين غردت لأول مرة بأعظم واسمي كلمة نطقها مخلوق منذ كان البدا... حين نطقت وغنيت بالحب للحب، هل تتذكرين حين وصفوك بعدها بالمجنونة.
هل تعلمين أنهم ما كانوا يقصدونك... بل خانهم علم الصرف، فهم لا ينطقون أبدا بضمير الجمع، ولا يعرفون ضمير المخاطب، هم يعرفون ويتقنون فقط ضمير المتكلم، وفي أكثر الحالات يضيع منهم الضمير ويبقي المتكلم.
هل تتذكرين خلانك وكأنهم يريدون تنويم فتنة كادت أن تستيقظ حين قالوا لك: إذا اتفقت الجماعة على انك اعمي فخذ عصاك وتوكل.

توكلت ولم تأخذي عصاك بل اكتفيت بأوتارك
شديت.. وصدحت، ورن صدي صوتك بعيدا بعيدا
بعيدا بعيدا حيث الضمير مجرد من كل الصيغ الجبرية وكل الحسابات الهندسية
بعيدا بعيدا حيث اشرأبت له الأعناق وفرشت له الأذان
بعيدا بعيدا حاملا معه الحب والحبور.. حاملا معه الأحلام والآمال، حاملا معه الرفض والإباء والكرامة.

وحين عاد صدي صوتك إلى ربوعهم، اهتزت الأرض وارتعدت الأصنام وبعثرت القبور ودق ناقوس الخطر ونفخ في البوق
انه أمر جلل
انه الطوفان
بعثوا برسول منهم ليأتي بالخبر
فعاد منذرا إنها تغني للحب والطفل والخبز والطير

قامت قائمتهم وقالوا ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .. فمنهم من قال بوأدك.. ومنهم من قال بنفيك.. ومنهم من قال بخنقك...
اختلفت الوسائل والهدف واحد (اسكتوا المعلومة)

حاولوا أن يسكتوك بالعين الحمرة ونسوا أن الأمير أيام جلالته حاولها معك وأنت صغيرة ففشل.
حاولوا أن يسكتوك بالمال ونسوا أن والدك المختار رحمه الله حنكك بالبيت الشعري :
لا تسألن بني ادم حاجة،
واسأل الذي أبوابه لا تحجب
فالله يغضب إن تركت سؤاله
وبني ادم حين يسال يغضب

حاولوا أن يسكتوك بتغيبك من شاشتهم اليتيمة، ولكنهم لم يعرفوا كم خدموك بذلك من حيث لا يدرون.
حاولوا .. حاولوا.. كانوا كلما تمادو وتفننوا في ذلك، يعطونك قوة على قوتك.

وذات يوم...
كنت على موعد مع حصاد ما زرعت... وبهت الذي كفر

المعلومة.. هل تذكرين كم كان كل هذا حلوا ومرا
كم كان كل هذا قريبا وبعيدا

هل تذكرين كم كان حلوا حين غنيت بقرطاج ومن يومها ونحن نسمي بموريتانيا المعلومة
هل تتذكرين حين نزلت من عرشها مكلة سبأ الأغنية العربية الشامية الست فيروز على جلالتها لتتصل بك شخصيا وتحدثك عن حبها وإعجابها بفنك.
هل تتذكرين كل بقاع الكون بشرقها وغربها، بشمالها وجنوبها.. والتي رفعت فيها وجهك انفا شامخا، وصوتك عذبا عاليا لتقولي للجميع هذه أنا المعلومة... بل هذه أنا موريتانيا شموخ وكبرياء.

هل تتذكرين حين أردت شحنة أخري إلى صوتك في مقر القرار... وكان لك ما أردت

هناك أمر ربما لا تتذكرينه
بل ربما لا تعرفينه
لا تعرفين كم من ليلة حالكة ضاقت بسمارها فكان صوتك أنيسها ووترك نورها
لا تعرفين كم من خلان فرقتهم المشارب السياسية والمعتقدات الفكرية.. لكن صوتك ولحنك ونصك جمعهم
لا تعرفين كم من صوت كان مبحوحا وكم من صوت كان مقهورا، صاح وشدي وغني وعبر، لأنك كنت طليعته
لا تعرفين كم مسكين محكوم عليه بالصمت الأبدي.. وكم من أصم خلق ليسمع ولا يسمع، كنت صوته وصرخته
لا تعرفين كم من وجه عبوس قمطرير انفلتت من شفاهه البسمة لأنك مررت عليه ولو طيفا
لا تعرفين مقدار ما يكنه لك هذا البلد من حب وتقدير وامتنان
لا تعرفين مقدار ما يكنه لك هذا الجيل التي كنت مثله الأعلى في الإرادة الصادقة القوية
إرادة الواعي المستنير
وليست إرادة الجاهل الجبان

المعلومة.. مهما حدث من الم.. مهما ضاق بك الزمان.. مهما انشغل عنك الخلان.. مهما خلا من محاربيه الميدان
لا تنسي قوتك
لا تنسي قوتك
لا تنسي قوتك

31 يناير 2011
عبد الرحمن احمد سالم


المعلومة بنت الميداح... حديث معاد


كتبتها وقرأتها للمعلومة في حفل إطلاق "هيئة المعلومة" بفندق الخاطر..

تذكرت هذا النص وأنا أخرج ليلة البارحة من تصوير  تلفزيوني للصحفي المبدع الشيخ ولد سيدي عبد الله.. كان من بين ضيوفه اللامعين.. المعلومة بنت الميداح.. وقد تحدثت وقدمت ألبومها الجديد "اكنو"...
ولي عودة لسهرة البارحة بحول الله

هل تذكرين حينا من الزمن عندما كنت طفلة طموحة، لاتسع سهول "قرية الشارات" أحلامها
هل تتذكرين حين كنت طفلة عنيدة، تأبي تبجيل السلط الاجتماعية التقليدية، وكدت تدفعين الثمن غاليا وأنت لما تبلغين بعد سن الرشد.
هل تتذكرين حين كنت طفلة صغيرة بين كثبان "قرية الشارات" تتغذين بنوتات موزارت وبتهوفن.
هل تتذكرين حين كنت طفلة صغيرة بريئة وكانوا يفصلون لك حلمك على مقاسهم، وكنت أنت تخيطين حلمك وتطرزيه وتزينيه كما يحلو لك.
هل تتذكرين كيف كبرت الأحلام وضاق بك المكان والزمان وما عادا يتحملان، بل وما عدت تتحملين.
هل تتذكرين كيف خرجت من رحم ذلك المجتمع الذي لم يستطع تحديد ماهيتك
لم يستطع أن يحدد  طعمك ولا رائحتك.
لم يستطع أن يميز شكلك ولا لونك.
لم يستطع باختصار أن يفهمك، فاستأنس بعمته النعامة ودس منقاره في التراب وأعلنك جسما غريبا.
هل تتذكرين حين غادرت تلك الكثبان وتلك الذكريات مخلفة ورائك مزيجا من المر والحلو، مزيجا من الصعب والسهل، لتحطي رحالك هنا في نواكشوط، وكأنك تريدين أن تكوني أنت كما تريدين أنت.
هل تتذكرين حين غردت لأول مرة بأعظم واسمي كلمة نطقها مخلوق منذ كان البدا... حين نطقت وغنيت بالحب للحب، هل تتذكرين حين وصفوك بعدها بالمجنونة.
هل تعلمين أنهم ما كانوا يقصدونك... بل خانهم علم الصرف، فهم لا ينطقون أبدا بضمير الجمع، ولا يعرفون ضمير المخاطب، هم يعرفون ويتقنون فقط ضمير المتكلم، وفي أكثر الحالات يضيع منهم الضمير ويبقي المتكلم.
هل تتذكرين خلانك وكأنهم يريدون تنويم فتنة كادت أن تستيقظ حين قالوا لك: إذا اتفقت الجماعة على انك اعمي فخذ عصاك وتوكل.

توكلت ولم تأخذي عصاك بل اكتفيت بأوتارك
شديت.. وصدحت، ورن صدي صوتك بعيدا بعيدا
بعيدا بعيدا حيث الضمير مجرد من كل الصيغ الجبرية وكل الحسابات الهندسية
بعيدا بعيدا حيث اشرأبت له الأعناق وفرشت له الأذان
بعيدا بعيدا حاملا معه الحب والحبور.. حاملا معه الأحلام والآمال، حاملا معه الرفض والإباء والكرامة.

وحين عاد صدي صوتك إلى ربوعهم، اهتزت الأرض وارتعدت الأصنام وبعثرت القبور ودق ناقوس الخطر ونفخ في البوق
انه أمر جلل
انه الطوفان
بعثوا برسول منهم ليأتي بالخبر
فعاد منذرا إنها تغني للحب والطفل والخبز والطير

قامت قائمتهم وقالوا ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين .. فمنهم من قال بوأدك.. ومنهم من قال بنفيك.. ومنهم من قال بخنقك...
اختلفت الوسائل والهدف واحد (اسكتوا المعلومة)

حاولوا أن يسكتوك بالعين الحمرة ونسوا أن الأمير أيام جلالته حاولها معك وأنت صغيرة ففشل.
حاولوا أن يسكتوك بالمال ونسوا أن والدك المختار رحمه الله حنكك بالبيت الشعري :
لا تسألن بني ادم حاجة،
واسأل الذي أبوابه لا تحجب
فالله يغضب إن تركت سؤاله
وبني ادم حين يسال يغضب

حاولوا أن يسكتوك بتغيبك من شاشتهم اليتيمة، ولكنهم لم يعرفوا كم خدموك بذلك من حيث لا يدرون.
حاولوا .. حاولوا.. كانوا كلما تمادو وتفننوا في ذلك، يعطونك قوة على قوتك.

وذات يوم...
كنت على موعد مع حصاد ما زرعت... وبهت الذي كفر

المعلومة.. هل تذكرين كم كان كل هذا حلوا ومرا
كم كان كل هذا قريبا وبعيدا

هل تذكرين كم كان حلوا حين غنيت بقرطاج ومن يومها ونحن نسمي بموريتانيا المعلومة
هل تتذكرين حين نزلت من عرشها مكلة سبأ الأغنية العربية الشامية الست فيروز على جلالتها لتتصل بك شخصيا وتحدثك عن حبها وإعجابها بفنك.
هل تتذكرين كل بقاع الكون بشرقها وغربها، بشمالها وجنوبها.. والتي رفعت فيها وجهك انفا شامخا، وصوتك عذبا عاليا لتقولي للجميع هذه أنا المعلومة... بل هذه أنا موريتانيا شموخ وكبرياء.

هل تتذكرين حين أردت شحنة أخري إلى صوتك في مقر القرار... وكان لك ما أردت

هناك أمر ربما لا تتذكرينه
بل ربما لا تعرفينه
لا تعرفين كم من ليلة حالكة ضاقت بسمارها فكان صوتك أنيسها ووترك نورها
لا تعرفين كم من خلان فرقتهم المشارب السياسية والمعتقدات الفكرية.. لكن صوتك ولحنك ونصك جمعهم
لا تعرفين كم من صوت كان مبحوحا وكم من صوت كان مقهورا، صاح وشدي وغني وعبر، لأنك كنت طليعته
لا تعرفين كم مسكين محكوم عليه بالصمت الأبدي.. وكم من أصم خلق ليسمع ولا يسمع، كنت صوته وصرخته
لا تعرفين كم من وجه عبوس قمطرير انفلتت من شفاهه البسمة لأنك مررت عليه ولو طيفا
لا تعرفين مقدار ما يكنه لك هذا البلد من حب وتقدير وامتنان
لا تعرفين مقدار ما يكنه لك هذا الجيل التي كنت مثله الأعلى في الإرادة الصادقة القوية
إرادة الواعي المستنير
وليست إرادة الجاهل الجبان

المعلومة.. مهما حدث من الم.. مهما ضاق بك الزمان.. مهما انشغل عنك الخلان.. مهما خلا من محاربيه الميدان
لا تنسي قوتك
لا تنسي قوتك
لا تنسي قوتك

31 يناير 2011
عبد الرحمن احمد سالم


الأحد، 11 مايو 2014

اسئلة في الانتظار ..

من يرقص علي "ناقوس" الخطر؟
من سيشرب "نخب" النصر؟
من يملك "قبعة الاختفاء السحرية"؟
من "سيجني" ثمار المعركة؟
من لديه "جهاز التحكم" لإعادة المشهد للوراء؟
يتبع....

موريتانيا... هل ينجب الشعر مسرحا؟


اذا كان أحد الباحثين قد وصف الادب الموريتاني بـ"الحلْقة المجهولة" في سلسلة الأدب العربي. فان المسرح هو الحلقة المفقودة في سلسلة الادب الموريتاني. فلم ينل لا من التوثيق و لا من الدراسة كبير اهتمام من الكتاب والادباء والمؤرخين الموريتانيين. 
فهو وعلي الرغم من هشاشة حضوره في المشهد الثقافي العام. وضعف مساهمته في المكتبات الموريتانية. فانه قد خلق ذائقة خاصة به. تفهمه وتنتظره في كل مرة. كما خلق نمطا من الحرية والجرأة في الطرح، تكاد لاتضاهيه فيها بعض الفنون الاخري. 

تري ماهو مرد ذلك. وماهي العلاقة اليوم بين الكاتب الموريتاني والنص مسرحي. ولمن يكتب المسرح الموريتاني وباي لغة يكتب. ولماذا تخلو رفوف المكتبات من النصوص والدراسات المسرحية. 
واخيرا ماهو النص الذي ينشده المتلقي الموريتاني؟

ظهور المسرح
ظهر المسرح الموريتاني بشكل متقطع خلال الستينيات من القرن الماضي تزامنا مع استقلال الدولة. 
فكانت المحاولات عبارة عن ارادة بعض الافراد ممن اطلعوا علي مسارح العالم في اشراك الموريتاني هذا اللون من الفرجة الذي يعرفه البدوي الموريتاني من خلال انماط شعبية غارقة في القدم تسمي (لحمار) اي المحاكاة. وهي سهرات بدوية تلتإم حول الخيمة، في اغلب الحالات ليلا. وينعشها اشخاص متفننون في محاكاة الاحداث والافراد وغالبا ما تكون ساخرة. 
هذا اللون (لحمار) ألهم المرحوم همام فال. وهو احد رجال الفن والادب في موريتانيا لاحقا - في بداية السبعينيات -  الي تاسيس مسرح سياسي ساخر اطلق عليه اسم (الكيكوطيه) وقد لاقي رواجا كبيرا الي حد ان رئيس الجمهورية وبعض الوزراء تنقلوا لمشاهدة عروضه.   
وقد كانت مجموعة من مثقفي البلد في بداية الستينيات قد بدأت في كتابة نصوص مسرحية وتقديمها في مناسبات وطنية. وكانت مرتبطة بكفاح (الكادحين). وهم مجموعة من المعارضين للنظام القائم انذاك. وتواصلت تلك المحاولات الي حدود السبعينيات مستفيدة من تاسيس المركز الثقافي المصري الذي كان يحضر بعض الفرق المسرحية العربية. 
واشتد الصراع لياخذ منحي مغايرا حين دخل المسرح الافرانكفوني علي الخط. لتاخذ المنافسة شكل صراع بين العروبيين والافرنكفونيين. وهو ماغذته نعرات الصراع السياسي وصراع التعريب انذاك. 

القاسم المشترك بين كل تلك المراحل هو غياب النص المسرحي المكتوب. فقد كانت كل العروض تقدم بشكل استعجالي وتكتب المسرحيات في اجال قصيرة، ليس كعمل كتابة ابداعية وانما لغرض العرض فقط، وتتلاشي اوراق المسرحية مع اسدال الستار الاخير للعرض. 

وحين ظهر الاتحاد الوطني لمسرح الهواة بقيادة الاستاذ محمد الامين عداهي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. تغيرت صورة التعامل مع الفن المسرحي. وبدأ التعاطي مع العرض اكثر مهنية. وبدات التخصصات تظهر. من كتابة واخراج وديكور وانارة. الي اخره. 
وهو ماشجع البعض علي الاكتفاء بكتابة نصوص مسرحية وتقديمها للفرق. 
كما عمد الاتحاد الي ربط الصلة ببعض الكتاب وشجعهم علي كتابة نصوص مسرحية. وهو ماتم بالفعل. حيث قدم الكاتب الكبير محمد الامين الشاه مسرحية (الماء والجار) وكتب الكاتب والناقد محمد فال ولد عبد الرحمن العديد من المسرحيات (بريق الصمغ العربي) (اللعبة) (عنز البزيه) وغيرها. 
وقد كتب في تلك السنوات (مابين ١٩٨٦ و ١٩٩٠) اكبر عدد من المسرحيات في تاريخ موريتانيا. 
وباعتباره العصر الذهبي للمسرح الموريتاني فقد شهد ايضا تقديم اكبر كم من المسرحيات الممرتنة. كمسرح المجتمع لتوفيق الحكيم. ومسرحية (ثقافة للبيع) ومسرحية (وي كلو) لجان بول سارتر. وغيرها. 
وتوج ذلك العصر الذهبي بالعديد من المهرجانات المسرحية. والندوات النقدية. وارسال البعثات للتكوين في الخارج. وايفاد مكونين من الخارج من امثال الاستاذ خليل طافش الذي عاصر كل تلك النهضة واسهم فيها بشكل قوي. وظهرت لاول مرة فرقة قومية للمسرح. 

ورغم كل هذا العطاء والتحول الايجابي. فان النص المسرحي لم يوثق علي شكل مطبوعات عامة. وانما بقيت النصوص مطبوعة طباعة اولية لغرض التدريب والعرض فقط. 

وبعد سبات طويل عقب توقف الاتحاد وظهور واختفاء جمعيات فاعلة كمسرح شنقيط مثلا. وخلال تسعينيات القرن الماضي ظهرت فرقة جديدة هي (فرقة التواصل). محاولة اعادة الحياة الي المشهد المسرحي. فقدمت الكثير من العروض المسرحية والتي يطبع عليها اجمالا لون النضال والنقد السياسي. ونزعة القومية والانتماء العروبي. فكانت القضية الفلسطينية حاضرة في كل العروض. وكانت شخصية موريتانيا كجزء من الجسم العربي يكاد يخلو منها اي نص او عرض. 

اين رابطة الادباء والكتاب من مشهد كتابة المسرحية:
يعتبر اتحاد الادباء والكتاب الموريتانيين من اعرق واقدم التنظيمات في موريتانيا. فقد تاسس في بداية السبعينيات. وخاضت اقلامه كل الحروب، حملات التعريب والتعريب المضاد. حملات القومية العربية. الصراع مع الانظمة المدنية والعسكرية. تطبيع العلاقات مع اسرائيل. لم يخلو اي حدث وطني من ردة فعل ادباء موريتانيا بشعرهم ونثرهم وكتاباتهم النقدية. 
إلا ان الكتابة والنقد المسرحي بقيت السهل المستعصي. او القريب البعيد من الاديب الموريتاني. اذا ما استثنينا مقالات تنشر من حين الي اخر في بعض الصحف، او جزء بسيط من كتابات الدكتور احمد ولد حبيب الله. 
ان مرد هذا الجفاء يعود حسب رأي الي ثلاثة اسباب:
الاول: يغلب طابع التكوين المحظري التقليدي علي الجيل الاول من ادباء موريتانيا. الشيء الذي غيب عنهم التعرف علي انماط ادبية حديثة كالمسرح والفن التشكيلي والسينما وغيرها. 
الثاني: النظرية الدونية والازدراء من المجتمع التقليدي المحافظ للمسرح. الشيء الذي ابعده عن واجهة الاهتمام الادبي. فهو كما يقول الدكتور احمد حبيبي : احد عناصر الفنون سيئة السمعة. 
الثالث: ان شح وسائل النشر وضعف (الزبون المسرحي) مقارنة مع قوة طلب (زبون الشعر) والانماط الاخري جعل الادباء يضعون المسرح في ذيل الرفوف. 

ولان المقام لايسمح بالاسهاب في التفاصيل الصغيرة. فبودي ان اعرج بشكل سريع علي الانماط المتوفرة من الكتابة المسرحية في الظرف الحالي بموريتانيا. 
بدأ... ينبغي الحديث عن الضوابط الاجتماعية والثقافية والدينية التي تتحكم في نمط الكتابة الادبية بشكل عام في موريتانيا وكتابة المسرحية بشكل خاص. 
المجتمع الموريتاني مجتمع مسلم محافظ وتقليدي، حتي ولو فتحت له كل ابواب العولمة والتبادل. فانه يبقي متمسكا - سلبا او ايجابا - بتلك الخصوصية والتي قد تصل في بعض الاحايين الي التعامل السلبي مع الابداع. 
وتركبته الاجتماعية معقدة جدا، فهو بلد اعراق عربية وبربرية وافريقية. وهو ايضا مجتمع طبقي هرمي، وان كانت تلك الصفة تبدو باهتة من النظرة الاولي الي المجتمع، فانها بشئ من التمعن تظهر كمرجعية اساسية غير معلنة  في التعاطي الاجتماعي والثقافي. 
من هذا المشهد تبدأ افرازات الكتابة الادبية عموما والمسرحية خصوصا. والتي يمكن تصنيفها - والمقام هنا ليس مقام دراسة نقدية وانماهي مجرد انطباعات - الي ثلاثة اصناف:
- نصوص اللحظة: وهي تلك النصوص التي تأتي استجابة لنداء اسعاف ثقافي. مواكبة لنشاط او رؤية سياسية او برنامج قصير النفس. وتكتب تماما علي طريقة اعداد (الوجبات الخفيفة). لكنها لاتضمن الخفة في كل مرة. 
- نصوص المناسبة: وهي نصوص تكتب استجابة لاجندة المهرجانات والمناسبات الوطنية والاقليمية والدولية. وتتحكم فيها (نوعية الطلبية) المقدمة من الراعي. وبالتالي فهي لاتجد مساحة للابداع الادبي بمفهومه المستقل. 
- النصوص المستقلة: وهي القلة القليلة والتي تكتب بدافع مهني بحت وترقي الي مستوي الكتابة الادبية. لكن هامشها وفرصتها في الترجمة علي الخشبة ضئيلة جدا. واذا ماقدمت كعرض تظل (محلك سر) ولا تجد فرصتها في الخروج الي عوالم وجماهير مختلفة الا نادرا. 

واسطة العقد المفقودة في هذه الانماط الثلاثة هي النقد. والذي يكاد يظهر باحتشام في انماط الادب التقليدية العريقة، فمابالك بفن جديد يعتبره الانسان الموريتاني دخيلا.  

كيف تبدوا هذه النصوص علي علاتها؟
يوغل النص المكتوب للحظة او المناسبة في البساطة والسذاجة رغبة في الوصول الي متلقي بسيط وغير متعلم في اغلب الحالات. وتتحكم في بنية النص مصطلحات وعبارات اقرب الي الكلام الوعظي التوجيهي منها الي الكتابة الادبية. 
ويعالج مواضيع آنية جدا ومرتبطة برغبة او توجه محدد، مما يفقدها قوة افق الدلالة والكلمة داخل النص. 
اما النص المستقل: فيتمتع بجمالية رائعة في الصور وشاعرية مرهفة في القالب. وتضمين قوي مستند الي جذور تاريخ المجتمع الموريتاني. والي حاضره المتنوع ثقافيا ومستقبله المشرق ان شاء. وحين يكون النص نقدا فانه يكون جريئا وصادقا وغير مستند علي فراغ. وهذه النصوص زادت في الاونة الاخيرة مع ظهور كتاب شباب من المتمسرحين السابقين او المتكونين في الاختصاص. 
وقد شهدت السنتان الفارطتان قفزة مبشرة بتحول كبير. وذلك من خلال ظهور جيل ثالث حديث برز مع مهرجان المسرح المدرسي.
وتعتبر ابرز اشراقات مشهد الكتابة المسرحية اليوم هي تلك النصوص التي كتبت بداية العشرية الثانية من هذا القرن من طرف كتاب شباب كانو ينضوون تحت لواء (جمعية التواصل) التي تحولت اليوم الي جمعية المسرحيين الموريتانيين  واصبح افرادها يغذون الخشبة بنصوص مسرحية جيدة، طالت كل الهم الجماعي والهم الاقليمي والعربي. فكتبت نصوصا في التعايش والوحدة الوطنية ونصوصا في التاريخ العلمي المشرق لارض شنقيط. وتاريخ المقاومة الثقافية للاستعمار. ومواضيع تتعلق بالظرف الحالي. كحرية التعبير. والعدالة. والقيادة. ومست كل امراض المجتمع دون استثناء. 
وفي بعدها العربي والاقليمي قدمت نصوصا عن الوحدة العربية. والشؤم الاسرائيلي. والانتفاضات الفلسطينية والمجاهدين المسلمين والعرب. والبعد الافريقي والعربي لموريتانيا. 

 اليوم في هذا المشهد المزيج من التفاؤل والاحباط  يمكن حصر مشاكل النص المسرحي في موريتانيا في النقاط التالية
- غياب المتخصصين في الكتابة المسرحية: فالبرامج التعلمية لاتحتوي علي مادة المسرح ولاتوجد مؤسسات تكوينية مهنية في المسرح. وتندر الدورات التكوينية في الكتابة المسرحية.
- غياب النقد الادبي الذي يمكنه تقويم العملية الابداعية وتشجيع الكتاب
- عدم الفصل بين النص كعملية ابداعية مستقلة، وتجسيده علي الخشبة كعملية ميلاد ثانية
- ضعف النشر اجمالا. مما لا يشجع البعض علي كتابة النصوص المسرحية، ويكتفي بدل ذلك بكتابة ديوان شعري او مجموعة قصصية قد تكون بالنسبة له حظوظها اوفر في النشر. 
-غياب ثقافة تحويل النص الادبي سواء كان شعرا او سردا الي نص مسرحي

ان كل مايتوفر اليوم من نصوص مسرحية او دراسات عن المسرح لايخرج دائرة الارشيف الخاص للجمعيات. او رفوف الرسائل الجامعية بجامعة انواكشوط

وتتقاطع النصوص المتوفرة علي شحها. في نمط الكتابة واللغة المستخدمة فهي في معظمها مكتوبة باللهجة المحلية المهذبة والتي تقرب الفصحي بشكل كبير. وبعض هذه النصوص كتب بالفصحي. لكن القاسم المشترك في اللغتين هو الثراء وامكانية التضمين والرمز والشحن بالدلالات والاسقاطات اللامتناهية. 

ان الانسان الموريتاني بطبيعته مرهف الاحساس ويميل بشكل فطري الي التضمين والايحاء في الحوار. وهو مانتج عنه نمط ادبي مميز. سواء كتب بالفصحي او العامية. وسواء كان نثرا او شعرا. والنصوص الشعرية الموريتانية حبلي بالصور والحوار، ولاينقصها الا كبسة زر واحة لتتحول الي نصوص مسرحية رائعة وقوية. فهل ستكون المحطة الموالية لحاملي هم النص المسرحي بموريتاينا هي العودة للقصيدة واعادة تفكيكها. ربما

الشارقة ٤ مايو ٢٠١٤

قصتي مع العمل الثقافي... قرار وألم وولادة ونسيان


بدأت تجربتي في ممارسة العمل الثقافي وأنا في المرحلة الاعدادية، تزامنا مع اول مهرجان وطني للشباب 1985، بدأت متطفلا على التمثيل المسرحي، لكن هذا التطفل سرعان ما تحول الى "فيروس صديق"، وقد خلصني – مؤقتا – من حب دفين للسينما التي كانت بالنسبة لى، وأنا طفل صغير، الحلم الكبير...
التحقت بالاتحاد الوطني لمسرح الهواة، ممثلا.. ثم كاتب نصوص، ومخرجا مسرحيا، الى ان وصلت بي الاقدار الي ادارة المكتب الجهوي للاتحاد، بولاية اترارزة (منطقة جنوبية على حدود السنغال)..
دام هذا الحال، حتي التحقت بالتلفزة الوطنية كممثل في برنامج ساخر (شي الوح افشي).. وتتابعت الاحداث وتلونت، من ممثل، الى محرر ببعض الصحف، الى مصمم معلوماتي، ثم مؤسس ومدير لصحيفة ساخرة (اشطاري)..
حتي صيف 1999 حين زارني المخرج عبد الرحمن سيساغو في مكتبي، ليبلغني عزمه تصوير فلمه (في انتظار السعادة) بمدينة انواذيبو... ورغبته في اشراكي في التجربة...
حينها ... حصل "الانفجار الكبير" كما يقول الفيزيائيون...
عملت كمساعد مخرج في الفلم... وتلاحقت الاحداث... سفر الى باريس للمساعدة في المونتاج... وعودة اخري الي باريس للدراسة في مدرسة سينمائية...
ثم حط الرحال في البلد ... وتأسيس "دار السينمائيين" ، ابريل 2002.
كان ذلك منذ عشر سنوات...
بدأت بحلم لم يقنع البعض... وخاف منه البعض الاخر... ووصفه الكثيرون بالجنون... وقلة قليلة أسرّت ايمانها...
كان المشهد – ولايزال – عبارة عن بلد يصنف السينما في قائمة "الثقافات سيئة السمعة"، لا ادارة للسينما، لا معهد ، لا قاعة عرض، لا رغبة سياسية... لا أحد يتكلم تلك "اللغة"..
اليوم تغيرت واجهة المشهد... لكن الخلفية لم تتغير كثيرا...
اليوم... يحسب لهذا الاسم "سينما" حسابه في المشهد الثقافي للبلد...
جمهور متعطش، عشرات الشباب المخرجين، افلاما وطنية، مهرجانا سينمائيا، مؤسسات للإنتاج، تكوينات بالعشرات، حضور دولي واقليمي...
اما الخلفية فلم تبرح مكانها كثيرا... غياب تام للاهتمام الرسمي بالسينما، لا دور عرض، لا مدارس ولا معاهد سينمائية... لا متخصصين بالسينما في قطاع الثقافة...
ورغم ذلك... تجربتي مازالت متواصلة...
انها تشبه إلى حد كبير تجرية كل أم مع الحمل والولادة...
تتكرر نفس الآلام والمعانات... قبل أن يجد المولود الجديد النور..
أقسم في كل مرة – لو خرجت منها سالما – أن لن اكررها...
يولد المولود .. ويترعرع... ويزداد حبا إلى فلبي.. فأشعر بحاجته إلى الرعاية، والنمو... وإلى "أخ" يشد عضده... ويلاعبه.
وفي لحظة نسيان للألم... وغفلة عن القسم... يحدث "الحمل" ..ويبدأ الألم وتشتد المعاناة، وأتمنى أن يكون "حملا كاذبا"..
لكن المخاض يأتي عسيرا.. عسيرا.. ويولد المولود.. حينا "ولادة طبيعية"، وأحايين "ولادة قيصرية" جراحوها أجهزة أمن وأوصياء على الثقافة...
وهكذا دواليك... قرار.. وألم.. وولادة.. ونسيان.. ونسيان وقرار وألم وولادة ونسيان.
لا أتذكر كيف ومتى أفكر في الشروع في عمل ثقافي، لكني أتذكر بكل التفاصيل كيف يتعاطى الآخر مع العمل.. من متلقي، وشريك، وراعي، وممول...
فالمتلقي يعتبره ديْنا تأخر كثيرا عن السداد، وتراكمت عليه "الفوائد" وينبغي أن يسدد اليوم قبل غد، وفي أبهي حلة، ومن دون أي نواقص..
والشريك يعتبره "له وحده"، إنما "تكرّم" عليّ بأن أكون الواجهة..
والراعي الرسمي، يعتبره "صدقة جارية" وعلىّ أن أذكرها، وأذكّر بها في كل لحظة، حتي أكثر اللحظات "خصوصية"، وأسمعها لكل فرد، حتى أفراد عائلتي. وإلا، أكون ناكر جميل وجاحد نعيم..
أما الممول فحدث ولا حرج.. فبالنسبة له أنا "عدم" من دونه، وبالتالي فعليّ أن أتحدث بنعمائه الكبرى، وخصائله التي لا تحصى، وخيره الذي لا يفنى، فهو الكل في الكل، وسواه لا يسمن ولا يغني من جوع..

هكذا أنا.. بل هكذا "الوليد/المشروع الثقافي"، حمل غير متوقع، وولادة محاطة بالمخاطر، ونموٌ بين عائلة أفرادها : متلقي مغيّب، وشريك مكابر، وراعي منّان، وممول متألّه

رسالة الي وزير (ة) الثقافة

ربما تصلح هذه الرسالة لكل وزير (ة)  ثقافة. في كل زمان. وحتي ربما في كل مكان.
سيدي (دتي):
انا اعلم جيدا انك قبل كل شيء موظف حكومي.
واعلم انك في اغلب الحالات جزء من فريق اغلبية سياسية رؤيتها وبرنامجا موحد.
واعلم انك عينت - بغض النظر عن كفاءاتك - لاعتبارات حزبية. او جهوية. او طائفية. او اجتماعية. او عقدية.  او انتخابية محضة.
واعلم انك - في اكثر الحالات - يهمك ذاك التعيين، لكنك ربما كنت تريد قطاعا آخر. أو لافرق عندك بين هذا القطاع او ذاك.
واعلم انك - في كل الحالات - لست متاكدا من فترة اقامتك في مقعد الثقافة. او لنقل في مقعد الوزير بشكل عام.
اعرف ايضا انك لست قادما من فراغ. فانت مثقف بطبيعتك. ومواطن بطبيعتك. وسياسي بطبيعتك. وانك - وهذا تحصيل حاصل - لديك افكارك وآراؤك.
اعرف ايضا انك أحسن من الكثيرين من زملائك في "الفصل الوزاري".
اعرف أيضا أنك بطبيعتك كانسان تحب أن تترك أثرا حيث تمر. وغالبا ما تعتبر أثرك إيجابيا ككل واحد منا نحن البشر. أو تجد مبررا لفشلك (خارجا عن إرادتك).
أعرف أيضا انك لست مستعدا لتحمل إرث سلبي خلفه سلفك مهما كانت مبرراته ومهما كانت علاقتك به.
اعرف ايضا انك لن تعامل كل فريقك بحسن نواياهم. وأن في ذهنك اشخاصا تثق بهم اخلاقيا او مهنيا او هما الاثنين.
نعم. هذا جزء مما اعرفه وتعرفه وربما نحن متفقون عليه.
لذلك فكرت في تذكيرك بأشياء عامة، قد تحتاج تذكرها كلما دخلت مكتبك. وكلما مسكت قلمك لتخط توقيعك. وكلما داعبت يدك المكرفون وانت تهم بالكلام.

أما بعد،
فإنك جأت الي قطاع يصنف - جهلا - بالفقير. ويرتب - سياسيا - في المؤجل. ويستغل - انتخابيا - للتدليس.
لكنه في واقع الامر براء من كل هذا. وبعيد كل البعد من تلك الاوصاف. فهو قطاع الثروة التي لاتنضب تحت اي تاثير مناخي. وعملة لاتتاثر سلبا باي مداولات. وهو علي مر التاريخ محور الصراع. ورمز الغلبة. وبساط التوسع والتملك والاعمار.
قطاعك هذا به من اصناف البشر. واختلاف الاراء. وتباين المشارب. وتعدد الاختصاصات. ما لا تتصور.
قطاعك هذا به من مكامن الثراء ومصادر الاشعاع ما لا يحصي.
قطاعك هذا به من التنوع مايربك. التنوع الثقافي، التنوع الاجتماعي، التنوع الاقتصادي، التنوع الصناعي، التنوع العقدي، التنوع الاخلاقي. التنوع تارة لمجرد التنوع.
قطاعك هذا عليه من الآمال حمل ثقيل. أمل المبدع وحده يكفي. أمل الرسام والكاتب والشاعر والمخرج والممثل والراقص والمغني والباحث والناشر والمصور والمهندس والمؤرخ والرحالة والمزخرف والمصمم والخياط والحكواتي والنحات والقصاص والمترجم والمكتباتي والخطاط.... لايتسع المقام لبقية اللائحة. والتي تزداد يوميا باكتشاف معارف جديدة.
لن تحقق آمال الكل مهما كان حسن نيتك وطول مقامك وتوفر الوسائل لك.
ولن تنجو من التصنيف مهما كان عدلك.
ولن تنال ثقة الحاكم المطلقة. حتي لو كنت هو. فهو كما تعلم (لامدخل ولامخرج)
لكن ثمة أشياء جد بسيطة. ان قمت بها ارضيت ضميرا سيظل يرافقك. يأنبك أو يهنأك.

- استمع الي الكل.
بغض النظر عن مشاربهم السياسية والعقدية والاجتماعية. وأنت تستمع تخلص من عقدة المقعد وانزل او اصعد الي مستوي محاورك.
- تحدث من قلبك.
لا أحد باستطاعته خديعة أحد. انما هناك من اذا خادعته انخدع. لذلك تحدث بصدق عن ماتنوي وماتفعل. قد يصغر فعلك في عينك. لكن شخصك سيكبر في عيون الغير. ولن تضطر غدا الي مبررات واهية.

- أسس فريقا.
لن تخدم نفسك ولاحزبك ولاحكومتك ولا أمتك بمفردك. خذ الوقت لتشكيل فريق يشد عضدك. انهم هنا. كانوا هنا قبل ان تأتي. وربما يبقون بعد ان تغادر. وفيهم الخيرون الصالحون المؤمنون بمهنتهم. لكن الاهمال وتعاقب الوزراء وتلقي الصدمات قتل فيهم حب العمل وحولهم الي اصنام. استمع اليهم. كلفهم. ثق بهم ماداموا محل ثقة. ودع لهم العنان. احمهم فهم جسدك. لاتميز بينهم في الاحسان ولا في العقاب.
لاتحشر نفسك في عملهم ومسؤلياتهم. ليسوا ابنائك هم فريقك وهم مصلحون مالم يثبت العكس. وحين يثبت العكس. لا تتأخر فكما حميت حقوقهم بما يستحقون انزل عليهم عقابك بمايستحقون.

- صارح شركائك
بقية عناصر جسدك هم شركاؤك،  المجتمع الثقافي المدني. أنت وقطاعك هنا من أجله. مهمتك الرعاية والاحتضان. ومهمته الاشعاع والابداع. هو من يقدم الأمة لنفسها بفسيفسائها. وهو من يقدم الأمة للاخر بصورتها المنصهرة. هو من لايوقف الدوام. في الوقت الذي يحسب قطاعك عمله بساعات دوام محدودة. هو من لاينتظر لبرمجة عطائه حلول سنة مالية.
هو من يقف في وسط الملعب. وعند المرمي. وفي الركنية. وعند حدود الملعب. هو من يجالس الوان واصوات وصمت الأمة. يتغذي منه ويستلهم ليقدم الحلول والاجابة. هو من يستمد اجندته السياسية والانتخابية من مطلب جماهيري دائم.
هو من تحرر من عقدة الجدران الاربعة. والراتب الشهري. واطلق العنان لابداعه وعمله.
هذا الشريك يحتاج منك مصارحة ومكاشفة. استمع اليه كما لم تستمع في حياتك من قبل. صارحه بنواياك. ابلغه برنامجك. اكشف له حساباتك. ثم خذ منه ماتشاء فهو معين لاينضب. ومحارب لايكل. وصديق لايخون.
بما أنها مجرد رسالة. فلن اتمكن من كتابة كل التفاصيل.
كما طلبت منك ارضاء ضميرك. اظن اني ارضيت ضميري بكلامي هذا.
تذكير...
الوزارة في العالم الثالث والثاني. وربما كل العوالم. هي نهاية حياة سياسية وادارية. فكر في ان تختم مسيرتك بالاصلح. فالبقاء له كما تعلم.
بالتوفيق
المواطن: عبد الرحمن

ما ذا تنتظرون؟

 نشر هذا المقال في موقع  الوكالة الموريتانية للصحافة بلغني وأنا -لأول مرة- خارج السور الجميل الذي جمع محبي المديح وجمهور لياليه، وعائلة تران...