كنت أما وأختا وصابره

من بين التقاليد الجميلة والرائعة والكثيرة لقريتي الحالمة "معط مولانا" يوجد تقليد خاص، فحين ينظم اجتماع أحياء القرية لتدارس أمور تسيير الشأن العام، تقدم فقرة من بين فقرات الاجتماع، وهي عبارة عن "شخصية الحي" اذ يختار ابناء الحي شخصا انتقل الي رحمة الله ودفن في القرية، وتقدم عنه ورقة تعريفية..
مع مرور الأيام تتشكل ذاكرة القرية وتكتب وتورث للأجيال اللاحقة..
في هذا الأسبوع تم اختيار والدتي المرحومة فاطمة بنت حمود لتكون شخصية الحي الرابع "حس الصدق" حيث يقع بيت العائلة، وبشيء من الارتجال والعفوية كتبت هذه الورقة عن المغفور لها بإذن الله، الصادقة العفيفة الولية الصالحة، والدتي فاطمة بنت حمود تغمدها الله برحمته الواسعة.
 


قرية معط مولانا
الاجتماع الأسبوعي للأحياء
23 أغشت 2015

حي الصـــــــدق - شخصية الحي:

فاطمة بنت الفائق ولد حمود، رحمها الله تعالى


ولدت المرحومة فاطمة بنت الفائق ولد حمود الآبييري العلوي سنة 1942 م ، وقد تربت في كنف والدين ورعين صادقين حنونين، سقياها من معين العلم، وزرعا فيها كل خصالهما النبيلة، فكان الوالد رحمه الله يدرسها القرآن والعلوم الشرعية والآداب العربية وهي في ريعان الطفولة، وقد خصها رحمهما الله تعالي بالمساهمة معه في كتابة جزء من المصحف الذي كتبه بيمينه الطاهرة.

ترعرعت في أحضان أبيها الكريم العالم الورع الفائق ولد حمود ، وأمها الصالحة التقية النقية خديجة بنت محمد ولد أحا، فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها ابن عمها ووالد أبنائها المغفور له أحمد سالم ولد دود ولد لاهي.

انتقلت عائلتها في بداية السبعينيات الي قرية معط مولانا، ومنذ ذلك  الحين تعلقت روحها بتلك الأرض الطاهرة وباتت تحن إلي لحظة الهجرة شوقا منها إلي تلك الربوع والهجرة إلي الله والرسول، والمقام بين روابي ارض الفيضة المحمدية التجانية الابراهيمية.
وكان لها ما أرادت كما في كل مرة.

رحلت إلي معط مولانا وبرجلها اليمني الطاهرة خطت مربعا لأول بيت لها سيصبح فيما بعد منزل العائلة الآن.
وكما ربتها عائلتها فقد ربت بدورها أبنائها وأبناء وإخوة لها لم تلدهم أمها.. زرعت فيهم نفس الخصال ونفس الحب لهذه الأرض وأهل هذه الأرض، تقول لمات بنت ديدي في رثاء المرحومة:

إلي رحمة المولي رحيلك فاطمه         
فقد كنت أما وأختا وصابره

دخلت المرحومة فاطمة بنت حمود إلي معط مولانا من بابه الكبير، فأخذت الطريقة التجانية علي سيدي الحاج المشري، وداومت علي حضور مجالس الذكر وحلقات التدريس، وفي (منزل آهل النعمة) حاليا، سلكت الحقائق في وقت وجيز وبطمأنينة ووقار.

خدمت المرحومة مصالح القرية من موقعها، فقد كانت مربية أجيال، وسفيرة لمعط مولانا، وخديمة للشيخ إبراهيم.

عملت بيديها الطاهرتين في الأعمال النسوية وأسهمت في إنشاء متجر الخدمة الذي أسسته بعض أمهات المؤمنين بمعط مولانا، ولها به رصيد لا يزال جاري، خدمة للشيخ إلي يومنا هذا.

لم تثني المشاغل أبدا ولا الظروف الصحية، المرحومة، عن صلة الرحم وإصلاح ذات البين وعيادة المريض والإيثار علي النفس. ولم تشغلها الدنيا أبدا عن بر الوالدين وطاعة الزوج وتربية الأبناء ومواساة المحتاجين.

لم تأذي جارا أبدا، ولم ترفع صوتها ولو علي ظالم، ولم تكسر خاطر طامع، ولم تبيت نية سيئة لأحد، يقول أحمدو ولد أماه:

سقي الغـــــادي بمعط مـولانا            
قبرا ثوت فيه المكارم والمعالي
حــــوي أما محافظة دوامــــا             
علي شرع المهيمن باعتــــدال
حوي فضلا وتزكية وحلـما               
وجودا في النوائب بالنــــوالي

كانت المرحومة أواخر أيام حياتها وهي تغالب المرض، مصرة علي سفر طويل وشاق قادها إلي أرحامها في عدة قري، وكأنها تريد إلقاء تحية الوداع.

عادت إلي معط مولانا وفي نفسها حلم يكبر ويصير يوما بعد يوم أكثر إلحاحا واستعجالا، حلم خطت ملامحه حين وطأت قدماها الطاهرتين ارض معط مولانا، وهو أن تبني لأبنائها بيتا قبل آن ترحل إلي بيتها في الجنة,

كانت اللحظات الأخيرة قاسية علي الأسرة وعلي المعيد والزائر، لكنها كانت سهلة ولذيذة بالنسبة لها، فهي لا تريد لأصوات العمال أن تتوقف مهما بلغت من الإزعاج، قبل اكتمال بيت معط مولانا.

اكتمل البيت واكتملت المهمة ونادي الرفيق الأعلى، ابتسمت ثلاث مرات في الدقائق الثلاث الأخيرة من حياتها ولبت النداء وأسلمت الروح لباريها،  تقول لمات بنت ديدي:

فعوضك المولي من الأهل هاهــنا       
نعيما مقيما في الجنان والآخــرة
وعوضنا السلوان والصبر والتقى       
ولا ذهب اللذْ كانت الأخت فاعله

هكذا كانت دعوة الأخت لمات بنت ديدي، كباقي دعوات كل شخص عرفها أو سمع عنها، يقول احمدو ولد أماه:
وكل الناس من حولي شهـود             
وهذا البيت أبلغ من مقــالي
ولو كان النساء كمن فقدنا                 
لفضلت النساء علي الرجال

أرادت إن يبقي منزلها شاهدا علي تعلقها بهذه الأرض الطاهرة، أرادته أيضا أن يستقبل سيدي الحاج المشري بعد أن يواري جثمانها بين اضرحة الصالحين في مقبرة معط مولانا، ليقدم التعازي لأبنائه وأبنائها.

جلس سيدي الحاج في بيت المرحومة بين إخوتها وأبنائها وجيرانها وأحبائها ليشهد لها ببلوغ مرتبة الإحسان، وتوفيقها في الرحيل عن والدتها وزوجها وقد استوفت برهما وخدمتهما، وكان ذلك يوم 15 من شهر يونيو 2007 الموافق لـ 29 جمادي الثاني 1428 هجرية.

مضت ثمانية أعوام علي ذلك الحدث الذي وصفه المختار ولد ببكر في مرثيته:

النضج الخلاق الزينين                    
انصابو ذلعام امسـاكين
ونصابت لمروه والـــدين                 
اخلعن ذي التـــــــــوال
عاكب (منت تتاه) أبيــين                 
عن ذ يخلك وابذي الحال
واحمدن للحي المتــين                     
تــــبارك وتـــــــــــعال
والا لكانو بالثـــــبات                      
عادو لعـــــــليات ابحال
كيفتها لاهي لعليات            
تكبظ فضليت الرجال



تغمدها الله برحمته وأسكنها فسيح جناته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السينما الموريتانية... حلم التشكّل

سيساكو: سينما بطعم الرمال