السينما الموريتانية: مخرجون عالميون وإنتاج متواضع

 



محمد الحبيب

«عفاريت»

ظل الموريتانيون لقرون طويلة معزولين في صحرائهم الممتدة الشاسعة، يتناقلون الروايات والقصص شفاهة بالسرد المنثور أو بالشعر الذي برع فيه الشناقطة كثيراً، وقد لعب دوراً محورياً في تصوير الاحداث ونقلها من جيل إلى آخر، وعندما دخل المستعمر الفرنسي مع بداية القرن العشرين أدخل معه وسائله الحديثة لنقل المعلومات والأحداث كآلات التصوير والتسجيل المسموع والمرئي، فكانت بالنسبة للكثيرين «سحراً» أو «عفاريت» أو شيئاً ما من صنع القوى الخفية المبهمة.

وفي مطلع الخمسينيات وبينما كانت قصص هذه الآلات العجيبة تنتشر بين الموريتانيين قام الفرنسيون بتسيير بعثات رحّالة تجوب الأرياف حاملة شاشات عرض سينمائية لإطلاع أبناء المجتمع البدوي على وسائل التكنولوجيا الحديثة ودمجهم في حياة العصر، وبما أن هذه الشاشات بشخوصها المتحركة الناطقة ظهرت فجأة دون ممهدات ثقافية ومعرفية، أطلق الموريتانيون عليها «سيارة العفاريت»، وهي تسمية تبدو متناغمة إلى حد بعيد مع الموروث الثقافي السائد، وهكذا بدأت السينما في موريتانيا غريبة مخيفة لتنتهي أداة طيعة في أيدي مخرجين مميزين من هذا المجتمع الذي صنفها يوما «كعفريت».

رواد

في الواقع ساهمت «سيارة العفاريت» بشكل لا يستهان به في تعريف الموريتانيين بحقيقة السينما، وأحدث سحر الصورة الذي حملته الشاشات المتنقلة عبر الأرياف والمدن الموريتانية المنعزلة، وشيئا فشيئا تشكل جمهور محدود يمتلك ثقافة سينمائية في المدن الرئيسية خاصة في نواكشوط العاصمة، وقد حفز ذلك التطور المستثمر الفرنسي غوميز الذي وصل إلى موريتانيا في مطلع الستينيات، فجلب معه شاشة عرض كبيرة وافتتح أول صالة للسينما في موريتانيا،الى ان دخل رجل الأعمال الموريتاني همام فال.

ويقول المخرج سالم دندو معلقاً: بدأ الرجل نشاطه بافتتاح قاعة المنى المشهورة بالافلام الهندية و الاجنبية . وفي ما بعد، أسّس سينما «الجُوّاد»، ثم استمر في إنشاء المزيد من القاعات حتى وصل عددها إلى 11 قاعة في نواكشوط والمدن الداخلية.وعلى إثر ذلك لُقب همام فال «بملك السينما الموريتانية».

بدأت دور العرض السينمائي في موريتانيا بالانحسار مع بداية التسعينيات وذلك حين دخلت في منافسة قوية مع الشاشة الصغيرة»التلفزيون«. ويقول المخرج الموريتاني دوندو ل «البيان» في نواكشوط معلقاً على هذه النقطة» صحيح أن ظهور التلفزيون وأجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية ساهمت في اختفاء دور العرض السينمائي، ولكن لم يحدث الأمر نفسه في بلدان اخرى حيث لا تزال دور العرض موجودة وتقدم الفرجة لروادها «.

وفي نقلة جديدة للسينما الموريتانية اسس المخرج عبد الرحمن ولد احمد سالم «دار السينمائيين الموريتانيين«التي أسسها في العام 2002 م،وقامت الدار منذ نشأتها بمحاولات لا بأس بها لإنعاش صناعة السينما في موريتانيا، أبرزها مهرجان»الأسبوع الوطني للفيلم«، إضافة إلى ذلك تنظم الدار ما يعرف بالشاشة الرحالة«التي تنقل السينما إلى الأرياف والبوادي النائية

مواهب

برزت مواهب عدد من عشاق هذا الفن لتقهر التحديات ومن أبرزهم: محمد هندو وأتحفنا بالعديد من أفلامه المتميزة ، منها »جولة في المنابع، 1967«. و»أيتها الشمس، 1969«. و»كل مكان ولا مكان، 1969«، و»العرب والزنوج أو جيرانكم، 1973«.. وغيرها. أما المخرج سيدني سوخنا،فأخرج أفلاماً رائعة، نذكر منها فيلم»الجنسيات المهاجرة، 1975«الذي نال عنه جائزة لجنة التحكيم في فيسباكو سنة 1977 وكذلك فيلم»سافرانا، 1978«.

ونختم بالظاهرة ونجم الإخراج السينمائي العالمي عبد الرحمن سيساغو، الذي ينتمي للجيل الحديث من المخرجين الموريتانيين الذي ابهر العالم بأفلامه الرائعة التي مكنته من الحصول على أفضل الجوائز، ومن اشهرها»الحياة على الأرض، 1998«و»في انتظار السعادة، 2002«، و»بامكو، 2006«أما أبرز أفلامه فهو فيلم»تيمبكتو، 2014 ).

وقد اختير الفيلم ليتنافس على جائزة السعفة الذهبية في المنافسة الرئيسية لمهرجان كان السينمائي، كما رُشح الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والثمانين. كذلك فاز الفيلم في الحفلة 40 من جائزة سيزار بجائزة أفضل فيلم وكذلك أفضل مخرج.


https://www.albayan.ae/five-senses/mirrors/2017-10-07-1.3061006


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السينما الموريتانية... حلم التشكّل

سيساكو: سينما بطعم الرمال